top of page

منهج التأويل (الجزء الثاني)

  • Writer: ashrefsalemgmn
    ashrefsalemgmn
  • Oct 30, 2024
  • 8 min read

Updated: Nov 8, 2024




فلنبدأ بكلمة "الرحمن"، ونحاول استخلاص معناها من خلال دراسة سياقاتها في الآيات التي وردت فيها. ما ستلاحظه في البداية هو تكرار ظهور كلمة "الرحمن" في سياقات معينة تتعلق بصفة الله كمؤثر ومحدث أولي للظواهر.



ما أعظم ما يمكن أن يُحْدِثَهُ الله في الكون بعد الخلق؟ الرزق؟ نعم، ولكن الرزق يعتمد على أشياء أخرى، فالرزق يعتمد على إمكانية استقباله. فهنا تعتبر العلاقة بين التكوين البيولوجي للحيوانات وبيئتها المحيطة محورًا أساسيًّا لفهم كيفية تحديد واختيار الأنظمة الغذائية المختلفة. فالله يرزق الطير بناءً على ما جهزها الله من إمكانيات بيولوجية، كالمِنقار وطوله، وطبيعة اللسان، والجهاز الهضمي، وأيضًا أنماط الحركة والرؤية والتزاوج التي تدخل في هذا الإطار.


كل هذه تتدرج تحت شروط الرزق وبذلك فهي أكثر أهمية من الرزق، ومن ممهّداته وشروط قابليته. هنا التعبير القرآني واسم الله يكون "الكريم"


فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴿١١٦ المؤمنون﴾


بالإضافة إلى ذلك نجد أن جميع المخلوقات بما فيهم الإنسان في احتياج مستمر لهذا، أي للرزق ولِقابليته. فيمكننا القول أن الرزق والرزاق تغطي فقط جزءًا معينًا من منظومة واحدة كاملة، وأن ما يشير إليه لفظ الرزاق هو ارتكاز المنظور على هذا الجانب. تمامًا كما نجد في مفهوم "المعدن" أن خصائصه - من كثافة ولون ومرونة وبريق - لا تظهر منفردة بل تتجلى مجتمعة بظهور المعدن ذاته، فكذلك إذا كان كما يبدو الحال، أن حدوث شرط واحد من هذه الشروط يتطلب حدوث الشروط كلها، فهل الرحمة هي الفعل الجامع لكل هذه الشروط، مثلما تَجْمَعُ "المعدنية" كل خصائص المعدن في وحدة متكاملة؟


فما هي الرحمة، ولماذا اختصّ الله الناس بها؟ وما الغرض منها؟


هنا يتجلى مفهوم بسيط، إذا تم فهمه، يمكن من خلاله فهم مفهوم الرحمة. هذا المفهوم هو الغاية؛ فقد مُنِحَتْ جميع المخلوقات هدفًا ساميًا، وكل ما نراه من رزق تُرزَقُهُ، وطبيعة تكوينها، ومظاهرها، وأنماط وجودها، وصولًا إلى أدق التفاصيل، يُخدَم هذا الهدف بصورة حصرية. وتتجلى الرحمة كمبدأ جامع، مثلما يتجلى جوهر المعدن في خصائصه. فهي الأصل الذي تنبثق منه كل الأفعال الإلهية وتعود إليه، بحيث يمكن اعتبار كل فعل إلهي مظهرًا من مظاهر الرحمة.


الغاية في الفلسفة


في فلسفة أرسطو، يشير مفهوم "التيلوس (Telos) "الغاية" هي "الهدف النهائي" الذي يسعى إليه أي شيء في الطبيعة. فالتيلوس هو غاية الوجود أو الكمال الذي يحاول الكائن تحقيقه. ويرى أرسطو أن كل شيء له غاية محددة، وأن هذه الغاية هي التي تمنح الشيء معنىً وأهميةً في الوجود


 (Metaphysics, Book I, Chapter 3)                                                           (ما بعد الطبيعة، الكتاب

الأول، الفصل الثالث)


أما "العلّة النهائية" (Final Cause)، فهي أحد الأسباب الأربعة التي يطرحها أرسطو لفهم سبب وجود الأشياء وكيفية عملها. العلّة النهائية هي السبب الذي لأجله يوجد الشيء أو يحدث، أي أنها الغاية التي يسعى الشيء لتحقيقها. على سبيل المثال، العلّة النهائية للنبات هي أن ينمو ويثمر، والعلّة النهائية للإنسان قد تكون تحقيق الفضيلة والسعادة


 (الفيزياء، الكتاب الثاني، الفصل الثامن)         (Physics, Book II, Chapter 8)


(وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف: 56).


في هذا السياق، استُخدمت عبارة "رحمة" للإشارة إلى ما سبق وقدّره الله ليوسف، حيث وأعطاه الله شيئًا كان مقدرًا له. الرحمة متعلقة بمفهوم الوجود والتي تتأصل في مبدأ الغاية، بما يعني أن رحمة الله بما تتعلق بيوسف تتعلق بقدر يوسف والغاية التي من أجلها خلقه الله.


كما نرى في هذه الآية نقطة الذُّرْوَةِ في قصة يوسف - تلك النقطة التي بدأ صعوده إليها منذ أن أراه الله الأحد عشر كوكبًا. ومما يثير الاهتمام أن لفظ (رحمته) في هذا السياق يعزز الفكرة المذكورة سابقًا بأن الرحمة فعل يحقق شروطًا متعددة في آنٍ واحد. فكما أن المعدن يجمع في طبيعته خصائص متعددة - كثافة ولمعان ومرونة - تظهر معًا وتتجلى كوحدة لا تتجزأ، فإن الرحمة في قصة يوسف تجلت كنسيج متكامل من الأحداث والظروف، كل منها يمثل شرطًا ضروريًّا لتحقيق الغاية النهائية.


فعندما تتحقق الرحمة، لا تأتي منفردة، بل تأتي وقد تهيأت جميع شروطها مسبقًا. وهنا يتجلى سر تمحور الأسماء الحسنى حول الرحمة؛ فرحمة الله للمخلوق تفسر ذاتها. فرغم وسعها فهي تُخْتَصُّ، لهذا أو ذاك الشخص - ناسجةً نفسها في نسيجه الفريد، بتكوينه الخاص، وما أُحِيطَ به من ظروف وتأثيرات، ونقاط قوّته وضعفه، وما مرّ به من تجارب، وبيئته الاجتماعية - وكأن هذه الخصوصية بذاتها هي التي تؤهله لتلقي هذه الرحمة، فلا يمكن أن تتنزل هذه الرحمة إلا عليه، ولا يمكن له أن يتلقى غيرها.


من هذا المنطلق، يتبين أن الله يتدخل بشكل رئيسي لتحقيق غاية تساهم بطبيعتها في إنجاز أسمى أهداف ومهام المخلوق في الحياة. ومن هنا، تتلاقى جميع الفضائل والأسماء الإلهية كالرزاق والحميد والكريم، والعليم، والعزيز وغيرها في الرحمة كَعَامِلٍ موحد لها جميعًا، فالرحمة أشبه بالنور الذي تنكشف في ضوئه حقائق الأسماء والصفات الإلهية، وتتضح من خلاله معانيها السامية.

يمكن فهم كل أفعال الله من هذا المبدأ، فكما قال هودٌ لقومه "إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (هود: 56) مشيرًا إلى الطريقة التي يدير الله بها الكون منذ خَلْقِهِ. فاسم الله هو الرحمن، والفرق الوحيد بينها وبين الخلق هو أنها تعمل في ما هو قائم بالفعل، لا في إيجاده.


وقِهِمُ السَّيِّـَٔاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّـَٔاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (غافر: 9).


ورود لفظ الرحمة في هذه الآية في دلالة واضحة على أنها ترمز لعلاقة المخلوق بغاية مصيره، فنرى هنا أن الغاية من الرحمة بما يتعلق بالبشر هي الفوز بالآخرة والجنة، أي الفلاح.


وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (الأنعام: 133).


ذو الرحمة ۚ في هذه الآية تشير إلى أن من آثار رحمة الله الإمهال، فالله يمهل الناس من باب الرحمة، أي تطلعًا لهدايتهم وإصلاحهم.

فإن هذا هو السبب الوحيد الذي يَدْفَعُ الله إلى مغفرتهم، الرحمة بمثابة انحياز للأفضل والتمسك بالحق والاستماتة به، والحق هو الفلاح. إن ما تطرحه الفلسفة من مبادئ كالعلة الأولى ليست في حقيقتها سوى محاولات لتفسير مبدأ الرحمة بأسلوب منهجي. وللتأكيد، فإن أبسط الأفعال الإلهية في الكون هي تجليات للرحمة، إذ أن الأفعال تُقَامُ وَتُقَيَّمُ استنادًا إلى مآلاتها، أو ما تسميه الفلسفة بالسبب النهائي ومعيار الإنجاز.


يتشكل معنى المصطلح القرآني من خلال مجمل القرآن الكريم، لا من الكلمة منفردة. فلِفهم معناها، نتتبع جميع مواضعها - بمشتقاتها وأصنافها وتشكيلاتها المختلفة - ثم نستخلص من دراسة سياقاتها المتنوعة معناها الجامع. فالمعنى يتبلور من خلال هذا التنوع والاختلاف، الذي يدفعنا للبحث عن القاسم المشترك بين استخداماتها. وبهذا يصبح التنوع شرطًا معرفيًا أساسيًا لاستخلاص المعنى.


السماء والارض


فالننظراولا الي مفهومي اللجوج والعروج, فلا يمكن من دونهما تاويل وفهم معنى الارض والسماء


  • اللجوج: ان كانت الارض ماكنة التجسيد المطلق, فاللجوج هو التجسد "المحضي" للأشياء في ايطار الارض, فالارض حَاضِنَةُ التَجَسُّدْ وتُمَثِّلُه بصورته المطلقه (نسبيتها محصورة فقط في علاقتها بالسماء), والاشياء هي موضوع التجسد او المفعول به, هنا يصبح دور الارض شديد العامية لايصلح كتعبير "لِمَحْضِيَّة" تجسد الاشياء , مما يضطرنا لاستخدام تعبير اكثر دقة.


  • العروج: هو عكس اللجوج, يرمز للتجرد من المحضية والتَّجَسُّد المادي,  اي والتِّعْمَامِيَة, الشُّمُولِيَّة, او الكُلِّيَة, فكما ان الارض تكون في علاقة نسبية مع التَّجَسُّد فان السماء في علاقة نسبية مع التَّجَرُّد, بعِبَارَةٍ اُخرى, كما أن التجسد يحدث في مراحل مُتَدَرِّجَة، فكذلك التجرد


دعونا الان نتأمل مفهوم "الأرض" في القرآن، حيث يظهر هذا المفهوم بدلالات عميقة. فهو لا يقتصر على المعنى المادي المباشر - أي المستوى الفيزيائي للوجود, والأرض الملموسه و الماديه التي نعرفها (أَرْضِي، الأرض، أَرْضَهُمْ، يَا أَرْضُ) - بل يتعداه إلى معنىً سيكولوجي متسامٍ يتجلى في اشتقاقات مثل (رَضِيَ، ارْتَضَى، رِضْوَانَ، تَرَاضَيْتُم، مَرْضَاتِي، رَاضِيَةٍ، مَرْضِيَّةً).


ما يثير الاهتمام هنا هو العلاقة بين هذين الاستخدامين لما هو جذر لغوي واحد. والإجابة في غاية البساطة: إن

جوهر الأرض ووظيفتها يكتملان في المعنى السيكولوجي لأن معناها الحقيقي هو معناها بالنسبة لنا نحن الذين نسكنها و نلتمسها. فهي موطننا، ومنها خُلقنا، وإليها نعود عند الموت، ومنها نُبعث مرة أخرى.إنها أرضية وجودنا، وعالم المرئيات والملموسات،  وما "الملموسية" في هذا السياق إلا تلك الصورة التي لا يمكن تصور شيء أكثر "واقعية" منها. فالمعايير التي نُسند إليها مفهوم "الواقع" هي نفسها التي تشكل المعنى السيكولوجي للأرض.


فحين نبحث عن "الواقعي"، فإننا في الحقيقة نبحث عن "الأرضي" في الأشياء - إن صح التعبير. نريد ما هو مُرضٍ في الأشياء، أو بالأحرى، نريد أن نجد "الرضا" والطمأنينة في درجة معينة من التجلي والتعبير. وهذا مايمثله البعد السيكولوجي لكلمة "أرض

المادية او الواقعية هي مصطلحات ارضية




تعبير منطقي


                  اللجوج   العروج


اللجوج   →  العروج    او (=)   العروج   ←  اللجوج


                                  (): تعبر عن التلازم "التلازم المتبادل", ادة للتعبير المنطقي عن العلاقة مابين المفهومين 

                           (→): تعبر عن التلازم 'اللزوم' أُحَادي الطرف او الشرطية المتصلة 


مجموعهما يؤدي الي التبادل, مفهوم يستخدم في الرياضيات والجبر للتعبير عن أن ترتيب العناصر لا يؤثر على نتيجة العملية" مما 

يعني ان يكون ناتج العملية واحداً مهما اختلف ترتيب عناصرها", بالاحرى, اللجوج والعروج يُشَكِّلاَن وِحْده او نِظَام اُحَادي مُكْتمل  


خلاصه


  • المعايير التي نُسند إليها مفهوم "الواقع" هي نفسها التي تشكل المعنى السيكولوجي للأرض


  • الارض هي عَمَلية او ماكَنَة كما انها مجموع التراب والجبال والشجر, فهي ماكَنَةُ التَّجَسُّدْ او التَّحَقُقْ 


  • بما ان الارض ماكنة او عملية التجسد او التحقق فهي تشمل التجسد او التحقق في كل نسبياته, هذا ماتؤكده الاية 12 من سورة الطلاق 'اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ۖ  هذا تعداد في 'نسبيات التجسد, فعلى الرغم من ان الملائكة توجد في السماء الا انها متجسد, هذا التجسد هو الطابع او العامل الارضي في السماء, اي الارض في احدى نسبياتها ".


  • الارض لايمكن ان توجد من دون السماء ولا السماء من دون الارض فكلاهما يكمل الاخر وكلاهما يتمم نقص جوهري في

    الاخر في ازدواج مطلق



هل السماء في القران رَدِيفَة العالم الافلطوني المثالي?



.

في القرآن، هناك أمثلة تؤكد هذا المعنى، مثل قوله تعالى عن النجوم والكواكب: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل: 16)، حيث تعمل النجوم كدليل يهتدي به الناس على الأرض، مما يدل على أن السماء تتجاوز الأرض وتحتوي أمورًا تتقدم على عالمنا الأرضي.


في قصة يوسف، تحوي الكواكب، والتي توجد في السماء، بُعدًا رمزيًّا يكشف عن دلالات معرفية عميقة؛ فقد رأى في منامه أحد عشر كوكبًا تسجد له، وكانت هذه الرؤية إشارة مبكرة لقدرة فريدة يمتلكها في تفسير الأحلام وفهم معانيها، ونبوءة لمستقبله الذي تحقق بوضوح عند ختام القصة.

كذلك، في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات: 22)، حيث تأتي السماء كمرجعٍ للرزق. وإذا عدنا إلى معنى الرزق الذي سبق لنا توضيحه، وهو أن الرزق يعتمد على قدرة المتلقي على استقباله، أي على تركيبته الفريدة، يظهر لنا نفس النمط التنبؤي.


وفي موضع آخر، نجد سؤال الله للملائكة عن الأسماء التي علمها لآدم، حيث قال سبحانه


: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 31).


نقترح هنا أن هذه الأسماء هي أسماء الأنبياء لأهميتهم في تحديد مسار البشرية ومستقبلها، فكما تحتوي السماء على آلية تحديد واقع الأشياء وتُملي حقائقها، فإن الأنبياء يعكسون هذه الآلية نفسها في نطاق الوجود البشري، إذ إن الأنبياء لم يكونوا قد وُلدوا بعد، ومع ذلك فإن تعبير "الأسماء" هنا يبدو وكأنه يحتويهم ويتنبأ بهم، وهذا يتسق مع الأمثلة السابقة التي تُرسخ مفهومنا بأن السماء هي عالم الكليات والنماذج الأزلية، أو ما يمكن أن نطلق عليه العالم الأفلاطوني المثالي، حيث يوجد مخطط العالم المادي وكل ما يمكن أن يتجسد ويظهر.


نرى مثالًا على هذا في حياتنا اليومية: فعندما ترى كلبًا، فأنت في الحقيقة تشاهد تجسيدًا لِفِكْرَةٍ كُلِّيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ. وَتَعَرٌّفِنَا على حيوان ما باعتباره "كلبًا" هي في الحقيقة عملية تجريد لمادية ما نراه (أي الكلب الذي أراه أمامي وألمسه) وإحالة إلى مفهوم كلي. الفرق بين اللجوء والعروج، كما هو الحال مع كثير من كلمات القرآن، يكمن في اتجاه الإحالة، ونمط الفكر بالنسبة لموضوعه، فالنمطين في ارتباط بياني متداخل، لدرجة أن الإشارة لأحدهما يحدث بسبابة الآخر.


(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة: 5).


يتجلى تعبير "يعرج" هنا بأوضح صورة؛ فحين اسْتِبْصَارِنَا في أي فعلٍ كل تداعياته، آثاره وانعكاساته على سائر الأشياء، وكل الطرق التي قد يُغير بها العالم، نجد أنفسنا أمام شيء هو أبعد ما يكون عن "الواقع" بمعناه المادي المحسوس. ما نراه هنا هو إسقاط تفصيلي أو مخطط لكيفية تجلي الشيء، في مقابل ماهيته الحالية أو مظهره الآني. فتعبير "يعرج" يحمل في طياته ذلك البعد المتعالي عن الحواس، المجرد والحتمي للواقع، والذي يتجاوز بطبيعته حدود الواقع المادي.


Comments


SUBSCRIBE VIA EMAIL

  • Facebook
  • Pinterest
  • Twitter
  • Instagram

© 2035 by Salt & Pepper. Powered and secured by Wix

bottom of page